الخوف يُحكم قبضته على تل أبيب.. الملاجئ شاهدة على صدمة لا تنتهي - صور

- إيران تواصل استنزاف طاقة تل أبيب بصواريخها اللاهبة
- تل أبيب لا تنام خوفا من صواريخ تثأر
لم تكن تل أبيب تتوقع أن تستيقظ ذات صباحٍ على سيمفونية لا تحمل توقيع موزارت، بل أصوات صافراتٍ تخترق السماء كأنها نُواحٌ ميكانيكيّ على حلم الأمن المؤبّد.
اقرأ أيضاً : تل أبيب تركض إلى الملاجئ.. وغــزة تمشي إلى التاريخ
المدينة التي طالما قدّمت نفسها كـ"جزيرة سلام" وسط بحر من اللهب، وجدت نفسها فجأة تلعب دور الضحية، ولكن دون فلاتر ولا إخراج دراميّ، حيث الصواريخ الإيرانية التي جعلتهم يواصلون النهار بالليل، جراء خوف متسلل
إلى نفوسهم الهشة.
وهنا في المكان الذي انقطعت فيه الأنوار ، وبالكاد يظهر نور القمر ليلا، جراء دخان الصواريخ المتكدسة في سماء المدينة الحالة بالعودة إلى ماضيها، لم يعودوا يتحدثون عن "تل أبيب لا تتأثر"؛ بل بات السؤال الأكثر تداولًا: "هل
الملجأ يتسع لنا جميعًا؟".
ملاجئ رطبة
هربت القهوة من شرفات المقاهي إلى قاع الزجاجات البلاستيكية، وركضت الضحكات التي اعتادت ملء الساحات إلى زوايا الملاجئ الرطبة، حيث لا أحد يضحك، بل الجميع يعدّ الثواني بين صفّارة وسقوط، وبات الخوف هو
المسيطر على المشهد العام في مدينة هي للفلسطينيين أساسا.
في الأعماق الخرسانية لتلك المدينة التي اعتادت النظر من علٍ، احتشد السكان كما تحتشد الكلمات في بيانات الطوارئ، كلٌّ يحمل طفلًا أو قلقًا، أو كليهما. لا أحد هناك يُتابع الأخبار بحثًا عن تحليل سياسي، بل الكلّ يحدق في
الشاشات كما لو كانت بلّورةً سحرية تخبرهم: هل الصاروخ القادم سيزورنا؟ وهل القبة الحديدية ستنجح هذه المرة أم تكتفي بعرضٍ ضوئي في السماء؟ أما الأمهات، فصار دورهن أشبه بممرضات رعب، يوزعن التطمين كما توزَّع
الأقنعة في الجوّ الملوّث بالخوف، يرددن "كل شيء سيكون بخير" وكأنهنّ يُقنعن أنفسهنّ قبل الصغار.
تل أبيب، التي لطالما شربت نخب التفوّق العسكري على أنغام الموسيقى الإلكترونية، وجدت نفسها الآن تشرب مرّتها من فنجان الصدمة، مُرّةً ساخنة بلا سكر. قاعات السينما أُغلقت، ليس حدادًا على شيء، بل لأن جمهورها بات في
مقاعد الملاجئ ينتظر مشهد النهاية الحقيقي. التطبيقات الذكية التي كانت تقترح أفضل مطعم سوشي، باتت تُعلن عن أقرب ملجأ. أما القبة الحديدية، فبدت كأنها عازف كمان مرتبك في فرقة أوركسترا تعزف على إيقاع لا يفهمه أحد،
إذ الصواريخ التي تتساقط، والوجوه تصفر، والعالم يتفرج كأن ما يحدث فيلم، لكنه هذه المرة بلا نهاية سعيدة.
مأساة مدينة مسروقة
وبينما تتقافز الصور على الشاشات: أطفال يبكون، شيوخ يتمتمون، ومراسلون يُنقّبون عن "مأساة المدينة"، يتكشّف المشهد كما لم يتوقّعه أحد هناك. فجأة، أصبحت تل أبيب في موقع المتلقي، لا الراوي. تذوّقت المدينة تلك النكهة
الثقيلة التي جرّعتها لغيرها سنين طويلة، تتذوق رائحة الحرب التي أذاقتها لغزة الصمود، ولكن الفرق بينهما كفرق بين الثرى والثر الحسرة تتسلل من العيون، لا لكون "العدو تجرأ"، بل لأن الكذبة الكبرى تهاوت على رؤوس
سكانها.
وهكذا، يُمكنك أن تسمع المدينة تبكي. ليس فقط من الصواريخ، بل من الحقيقة... أنها ليست بمنأى عن الجحيم الذي ساهمت في صنعه، لكنها تستحقه.