لقيمات بعد ساعات انتظار.. وجبة تُشبه النصر في غــزة

- الجوع لا يزال يسيطر على المشهد في القطاع
- أحلام مدفونة وآلام تتعاظم جراء سياسة تل أبيب الهمجية
في زاوية منسية من قطاع غزة المنهك، وتحت شمس لا ترحم، جلس ثلاثة صبية تجمعهم المأساة قبل أن تجمعهم الطفولة. أنهكهم الجوع الذي ينهش أجسادهم الغضّة منذ أيام، لكنهم ظلوا ينتظرون بصبر عجيب، ساعاتٍ طويلة على أمل الحصول على شيء يملأ
بطونهم الخاوية.
اقرأ أيضاً : صور الجوع والدمار تخترق تل أبيب.. متظاهرون يصرخون باسم أطــفال غزة
وأخيرًا، بعد يوم شاق من الوقوف في طابور المساعدات، عادوا بثلاثة ملاعق وإناء صغير فيه ما تيسّر من طعام. لم يكن ما حصلوا عليه كافيًا، لكنه كان كنزًا بالنسبة لهم، وسببًا كافيًا ليجلسوا معًا في ظلّ جدار نصفه مدمر، يتقاسمون اللقيمات ببطء، وكأنهم يحتفلون
بالحياة ذاتها.
لم يكن بينهم من يسأل: "هل يكفي؟"، بل كانت نظراتهم تقول ما هو أعمق: "يكفينا أننا ما زلنا معًا". فبين كل ملعقة وأخرى، كان هناك صمتٌ يروي أكثر من ألف كلمة، عن قصفٍ لا يهدأ، وعن أمهات ينتظرن، وعن طفولة تحاول أن تتنفس رغم كل هذا الركام.
في وجوههم امتزج الغبار بالعرق، وامتزج الحزن بشيء من الإصرار. ورغم التعب، لم يختفِ بريق الأمل من عيونهم. كانوا يعرفون أن هذا الإناء لن يشبعهم، لكنهم تعلموا أن يقاوموا، أن يبتسموا رغم الجوع، وأن يتمسكوا بالحياة في كل فتات يُلقى إليهم.
ليست هذه مجرد صورة لثلاثة أطفال من غزة، بل مرآة لواقع جيل بأكمله. جيل لم يختر الحرب، لكنه وُلد فيها، وكبر بين أنقاضها. جيل لا يبحث عن الرفاهية، بل عن حقه في البقاء، في لقمة طعام، وظل جدار، وهدوء لحظة.