من الركام إلى المجهول.. الفلسطيني يحمل بيته في قلبه

- أجساد متعبة ووجوه شاحبة وقلوب منفطرة في القطاع
- تل أبيب تواصل استنزاف المدنيين على وقع جوع كاسر
ها هي الصورة، الناطقة بألف معنى، تختصر مأساة النزوح في القطاع الجريح، حيث يسير الفلسطينيون بثِقل أجسادهم المنهكة وحمولتهم البسيطة التي تختزن ذكريات عمر كامل. وجوه شاحبة، عيون مثقلة بالدمع، وأقدام تمشي على درب مجهول، لكن في القلب بقايا حنين لبيوت هُدمت وأحلام سُرقت
تحت وهج العدوان المتواصل.
اقرأ أيضاً : نزوح من النصيرات.. خطوات تبحث عن أمان مفقود
إنه نزوح لا يشبه أي نزوح، نزوح قسري يقتلع الإنسان من جذوره كما يُقتلع الغرس من تربة عطشى. أصوات الأطفال تتعالى بالأنين، وأيدي الأمهات ترتجف وهي تتمسك بما تبقى من متاع، كأنها تحاول أن تُبقي الماضي حاضرًا في عتمة طريق محفوف بالموت والفقد.
في كل خطوة حكاية، وفي كل دمعة رواية. فذاك الكهل الذي يسند نفسه بعكازه لا يحمل جسده فقط، بل يحمل تاريخًا من الصبر الممتد عبر أجيال، وتلك المرأة التي تضع على رأسها ما استطاعت حمله، تخبئ في قلبها ألف ذكرى وصورة لجدران بيت كان يحتضنها ذات يوم. إنها رحلة مريرة، ولكنها
أيضًا لوحة من الصمود الذي لا ينكسر.
نزف مستمر
وعلى وقع النزف المستمر، يئن القطاع قهرًا وألمًا، يصارع الموت والخذلان في آن واحد. العالم يكتفي بالمشاهدة، بينما تُكتب المأساة على وجوه الصغار الذين يفترشون الطرقات، يلتقطون فتات الأمل كما يلتقط الجائع كسرة خبز تائهة. وما بين السماء المحملة بالدخان والأرض المثقلة بالركام، تنبض
الحكاية بجرح لا يندمل.
ومع كل هذا الركام، يبقى للذكريات مكانها. فبين أكوام الحجارة تنبثق صور البيوت والضحكات التي كانت تملأ الأزقة. يرحل الجسد، لكن الروح تظل مشدودة إلى أول زاوية في الحي، إلى أول شجرة زرعها الجد، وإلى رائحة الخبز في الصباح. إنهم يمضون جنوبًا، لكن قلوبهم تظل في الشمال، حيث
بقيت جذورهم وذكرياتهم التي لا يمحوها عدوان ولا يقتلها نزوح.