بين البيوت المهدّمة.. تبحث عن حياة ضاعت

- القطاع أوجاع محاصرة بقهر الجوع والحرمان
- الغزيون رسالتهم للعالم أنهم أهل الأرض ولا مساومة
في شوارع غــزة المدمّرة، تمشي سيدة خمسينية بخطوات بطيئة، تتلمّس الطريق بين الركام وكأنها تبحث عن بيتها الذي صار ذكرى. تحمل على كتفيها سنوات من التعب، وفي قلبها جبل من الذكريات التي لم تَدفنها القذائف، بل زادتها صلابة ووجعًا. كل حجر مهدّم
تراه يذكّرها بضحكة طفل، أو بملابس عيد كانت مُعلّقة على حبل الغسيل ذات يوم.
اقرأ أيضاً : هنا غـــزة.. براءة تجر عربات الماء بدل اللعب
تتوقّف قليلًا أمام ركام بيتها القديم، تمدّ يدها إلى جدار متصدّع وكأنها تحتضن بقايا حياتها الماضية، دموعها لا تسقط بسهولة، فقد جفّفها الألم منذ زمن، لكنّ عينيها تنطقان بما عجز اللسان عن قوله. تحكي بصوتٍ مبحوح أن ما يُثقل قلبها ليس فقط الفقدان، بل
ذاك الجوع الذي ينهش أطفال الحيّ، إذ لم يعد هناك خبز كافٍ ولا ماء نقيّ.
تزايد الصبر
الجوع في غزة لم يعد مجرّد إحساسٍ مؤقت يزول بكسرة خبز، بل صار جرحًا يوميًا يعمّق الألم. تروي السيدة أنّها كثيرًا ما تقتسم لقمة صغيرة مع جاراتها، يوزّعنها على الأطفال علّهم ينسون الألم لبرهة. ومع كل ليلة يخيّم فيها الظلام بلا كهرباء ولا طعام،
يزداد صبرهن، ويزداد وجعهن، لكنهن يواصلن المقاومة بصمت.
صحن فارغ وكأس ماء عكر
تقول السيدة إن الجوع يذكّرها بطفولتها، حين كانت مائدة العائلة عامرة رغم بساطتها. اليوم، جلستها مع أبنائها مختلفة؛ صحن فارغ وكأس ماء عكر، لكنّها تحاول أن تبقي الأمل حيًا في عيونهم. "لا أريدهم أن يعرفوا معنى الهزيمة"، تهمس، وكأنها تُقنع
نفسها قبل أن تُقنعهم.
ورغم قسوة الجوع والحرمان، ما زالت هذه السيدة تمشي وسط الركام، تحمل في قلبها إيمانًا لا ينكسر بأن الغد سيكون أفضل. فهي تعرف أنّ الجوع قد ينهك الجسد، لكنه لا يكسر الروح. وتؤمن أنّ الذكريات، وإن كانت موجعة، هي أيضًا زادٌ يمدّها بالقوة كي
تبقى واقفة، شامخة بين أنقاض مدينتها، شاهدة على صمود غزة.