حيث يلتقي الصمت بالوجع.. وأجنحة الحياة لا تزال تخفق

منوعات|2025/11/07
حيث يلتقي الصمت بالوجع.. وأجنحة الحياة لا تزال تخفق
طفلتان تجلسان في مخيم للنازحين في مدرسة تحوّلت إلى ملجأ في حيّ الرمال بالقطاع
  • القطاع يئن ألما وحزنا بعد عدوان خلف القهر والحسرة
  • أهالي القطاع يتسلحون بالإيمان والصبر لمواجهة المعاناة

في قلب حيّ الرمال الذي كان يومًا يعجّ بالحياة، يقف الواقع اليوم مغطّى بالرماد والألم، مدرسة تحوّلت إلى مأوى، وجدران حملت بدلاً من دروس الأطفال صدى الصراخ والركض بحثًا عن ملجأ. هناك، في أحد أركان هذا المكان، يجلس أطفال صغار، بوجوه هادئة ظاهريًا، لكن أعينهم تروي فصولًا من الرعب عاشوه في دقائق

طويلة تحت النار والدخان. كل تفصيلة في المكان تقول إن الحرب لا تستهدف البيوت فقط، بل الطفولة قبل كل شيء.

اقرأ أيضاً : ضوء وسط الحصار.. أمل مُلوَّن في قلب الجراح

لا ألعاب هنا، ولا سبورة تُكتب عليها الأحلام، فقط حصائر رقيقة مفروشة على الأرض، وحقائب صغيرة لا تحمل كتبًا، بل ما تبقى من حياة.

الأطفال ينظرون إلى بعضهم بعضًا بصمت، وكأنهم يحاولون أن يفهموا ما لا يمكن فهمه: لماذا تحوّلت بيوتهم إلى ركام؟ ولماذا صار الخوف ضيفًا لا يغادر صدورهم؟ إنهم يعيشون عمرًا أكبر منهم بكثير، ومع ذلك لا يزال في وجوههم شيء طفولي يقاوم الانطفاء.

ورغم كل هذا الحزن، تظل البراءة حاضرة، طفل يضحك بخجل فجأة، وطفلة تحاول ترتيب شعرها أمام زجاج مكسور، وآخر يحمل دمية فقدت يدها لكنه يتمسك بها كما يتمسك بطمأنينة كانت هنا ذات يوم.

هذه التفاصيل الصغيرة ليست مجرد مشاهد عابرة، إنها إعلان واضح أن الحياة ما زالت تصر على البقاء، وأن الروح البشرية قادرة على المواصلة ولو كانت محاصرة بالدمار.

"الله معنا"

أمّا الأهالي، فيحاولون بثّ الطمأنينة في قلوب الصغار، رغم أن قلوبهم هم نفسها مثقّلة بالجراح. يرددون: “الله معنا”، وهم يؤمنون بذلك حقًا، ليس لأن الطريق سهل، بل لأن الصمود هو الخيار الوحيد المتاح.

في هذا المكان الذي اجتمعت فيه الذاكرة والفقد، يتعلّم الأطفال منذ صغرهم معنى الإيمان والقوة، ويكبرون أسرع مما يجب، لكنهم لا يستسلمون.

هنا في غزة، الألم لا يُخفي الإيمان، والدمار لا يلغي القدرة على النهوض. فوسط مخلفات العدوان القاسي، يظهر هذا الشعب مرة بعد مرة بحضور ثابت وصبر لا يتزعزع. الأطفال، ببراءتهم المضيئة رغم كل شيء، هم الشاهد الأكبر على أن الحياة أقوى من الحرب. وما تبقى من هذا المشهد، هو رسالة إلى العالم: هنا شعب لا

ينكسر، بل يقف — حتى وهو يضم جراحه — على باب الأمل.