برشلونة يصر على حرق الأموال.. المسمار الأخير في نعش لابورتا الإقتصادي

- "اشترِ العجوز، لا تبع أبداً": لماذا هاري كين هو "ليفاندوفسكي الجديد"
 
في المكاتب المظلمة لـ "الكامب نو"، يبدو أن هناك قاعدة واحدة فقط تحكم سوق الانتقالات: "الهروب إلى الأمام". فبينما يغرق النادي في ديون تاريخية لا يبدو لها قرار، وتفرض رابطة "الليغا" قيوداً مالية تكاد تخنق ميزانيته، تخرج التسريبات تباعاً لتتحدث عن "الحلم" الجديد: رغبة النادي في ضم المهاجم الفتاك، هاري كين.
للوهلة الأولى، يبدو الأمر طموحاً مشروعاً لنادٍ بحجم برشلونة. ولكن عند التدقيق في الأرقام والواقع، فإن هذا "الطموح" ليس إلا تكراراً كارثياً لنفس الأخطاء القاتلة، و"صرخة كفى عواجيز" هي أقل ما يمكن أن يقال.
المشكلة هنا ليست في هاري كين كلاعب؛ فأي شخص يشكك في قدرات الإنجليزي هو "مجنون يجب الزج به في مصحة عقلية". كين هو آلة أهداف لا تصدأ. المشكلة تكمن في برشلونة، النادي الذي يرفض بعناد النظر في المرآة ورؤية واقعه المالي الحقيقي، ويصر على التصرف كأغنى أغنياء أوروبا.
درس ليفاندوفسكي: مجد قصير الأمد.. وخسارة طويلة الأمد
لفهم حجم الكارثة القادمة، لسنا بحاجة للذهاب بعيداً. دعونا نراجع الحالة الأبرز التي لا تزال جراحها مفتوحة: روبرت ليفاندوفسكي في صيف 2022، وفي عز الأزمة المالية الخانقة، ضغط برشلونة بكل "روافع" النادي الاقتصادية، وباع جزءاً من مستقبله، لدفع حوالي 55 مليون يورو لبايرن ميونخ، من أجل التعاقد مع مهاجم يبلغ من العمر 34 عاماً.
ماذا كانت النتيجة؟ لا يمكن إنكارها: موسم أول استثنائي، قاد فيه "ليفا" الفريق بجدارة للفوز بلقب "الليغا". لقد "اشترى" برشلونة هذا اللقب فعلياً. ولكن، ماذا بعد؟
جاء "ما بعد" سريعاً ومؤلماً. تراجع في الأداء، عامان من التألق (بحسب المقال) وعام ونصف من الأداء المهتز والإصابات. هذا هو الوصف الدقيق لما يحدث عندما تراهن على عامل السن. ليفاندوفسكي، الذي يتقاضى راتباً يتصاعد سنوياً ليصبح عبئاً لا يطاق، أصبح حملاً بدنياً ومالياً. ومع نهاية عقده بنهاية هذا الموسم، سيرحل مجاناً.
الخلاصة: 55 مليون يورو دُفعت، ومثلها أو أكثر كرواتب، والنتيجة النهائية في خانة العائد المادي هي "صفر" كبير. لقد تبخرت الأموال مقابل بطولتي دوري. هل كان هذا هو الاستخدام الأمثل لموارد النادي الشحيحة؟ الإجابة هي "لا" قاطعة.
هاري كين: تكرار الخطيئة بتكلفة أعلى
والآن، تطرح الإدارة اسم هاري كين. مهاجم إنجليزي فتاك، نعم، لكنه سيكلف ما لا يقل عن 65 مليون يورو، وهو يقترب من عامه الـ 32 السيناريو سيكرر نفسه بحذافيره. ستدفع مبلغاً فلكياً، سيعطيك اللاعب موسمين، ربما ثلاثة بحد أقصى، من الأداء العالي. ثم ماذا؟ سيبدأ منحنى الهبوط البدني الحتمي، وسيرحل مجاناً، ربما إلى الدوري السعودي كما سيفعل ليفاندوفسكي قريباً.
هذه القرارات لا تحل الأزمة المادية، بل تزيد حالة النادي المادية السيئة سوءاً. إنها سياسة "الاستهلاك الفوري"، لا سياسة "الاستثمار المستدام". برشلونة يتصرف كشخص مفلس قرر صرف آخر ما لديه من مال على عشاء فاخر في مطعم ميشلان، بدلاً من استخدامه لبدء مشروع صغير يعيد إليه ماله المفقود.
اقرأ أيضاً: "حالة طوارئ" في ليفربول بسبب الغيابات قبل صدام ريال مدريد
الواقعية المفقودة: الاستثمار هو طوق النجاة
في المقابل، ليس علينا سوى النظر إلى المنافس التقليدي. ريال مدريد فهم الدرس مبكراً. بدلاً من مطاردة أسماء رنانة في نهاية مسيرتها، ذهب "لاستثمار" أمواله في: فينيسيوس، رودريغو، كامافينجا، تشواميني، إندريك، أردا غولر، وأخيراً (وبعد طول انتظار) كيليان مبابي.
هنا يكمن الحل الذي تجاهله برشلونة. ماذا لو تم استثمار مبلغ الـ 55 مليون الخاص بليفاندوفسكي، أو الـ 65 مليون المطلوبة الآن في كين، في مهاجم شاب واعد يبلغ من العمر 20 عاماً؟ ماذا لو تم منح هذا الشاب الثقة؟
النتيجة ستكون واحدة من اثنتين، وكلاهما "نجاح" لبرشلونة:
- النجاح الرياضي: يتألق اللاعب ويصبح نجم الفريق لسنوات قادمة (كما حدث مع فينيسيوس)
 - النجاح المالي: يقدم اللاعب مستوى جيداً، وتتم إعادة بيعه بعد ثلاث سنوات بضعف الثمن، لتمويل صفقات أخرى
 
وحتى لو فشل اللاعب الشاب (وهو احتمال قائم دائماً)، فعند بيعه سيسترد النادي جزءاً من استثماره، على عكس ليفاندوفسكي أو كين اللذين ستكون قيمة إعادة بيعهما "صفراً"
برشلونة في المرحلة الحالية من تاريخه لا يملك رفاهية شراء "حلول مؤقتة". النادي بحاجة ماسة لـ "أصول" تزيد قيمتها مع الوقت، لا "التزامات" تفقد قيمتها بمجرد توقيع العقد.
بيت القصيد.. سخرية "لاماسيا"
الأمر الأكثر إثارة للسخرية في هذه الملحمة، أن برشلونة نفسه هو من يقدم الدليل الحي على نجاح نموذج الاستثمار. النادي الذي نجا في السنوات الأخيرة بفضل "أطفال لاماسيا" (لامين يامال، باو كوبارسي، فيرمين لوبيز، وقبلهم جافي وبيدري)، هو نفسه الذي يفقد الثقة في هذه الفلسفة فجأة عندما يتعلق الأمر بمركز المهاجم.
يبدو أن هناك انفصاماً واضحاً في الرؤية: الإدارة تثق في شاب عمره 18 عاماً (يامال) لحمل هجوم الفريق على كتفيه من مركز الجناح، لكنها في نفس الوقت لا تثق في استثمار 60 مليوناً في مهاجم شاب واعد ليكون مستقبل المركز "9".
هذا التناقض يوضح حجم التخبط الاستراتيجي: الاعتماد على الشباب كـ "ضرورة" لإنقاذ الميزانية، واللجوء لـ "العواجيز" كـ "حلول سريعة" لإنقاذ الموسم ويجب على إدارة برشلونة أن تكون واقعية وتتعامل على قدر ظروفها. الواقع يقول إن عصر شراء النجوم الجاهزين بأسعار فلكية قد انتهى في كتالونيا. والاستمرار في مطاردة "العواجيز" ليس طموحاً، بل هو "انتحار اقتصادي" مع سبق الإصرار والترصد.
