وثيقة بقاء .. صحن الأمل في يد طفل غزي جائــع

Trending|03/06/25
وثيقة بقاء .. صحن الأمل في يد طفل غزي جائــع
طفل غزي يحمل صحن طعام حصل عليه من إحدى نقاط التوزيع
  • قلوب الغزيين جمو من صبر أمام كارثة إنسانية
  • تل أبيب تواصل ممارسة سياستها الهمجية في القطاع

كان الغروب يحبو فوق أطلال المخيم، يرسم ظلالاً باهتة على بقايا الجدران المهدّمة، حين خرج الطفل "آدم" من بين ركام الحارة، يحمل بين يديه صحنًا صغيرًا من الأرز، تغلّفه طبقة من الغبار وكأنه قطعة من السماء انتُزعت عنوة.

اقرأ أيضاً : على موائد الغياب.. طفل ينتظر الخبز والحياة

عمره لم يتجاوز العاشرة، لكن عينيه كانتا أقدم من الحرب، وأعمق من كل نشرات الأخبار. في يده صحن، وفي قلبه وطن. حصل عليه بعد ساعات من الوقوف في صف طويل، لا يفصل بينه وبين الموت سوى الصبر. كانت المجاعة تطحنُ أرواح الغزيين بلا

رحمة، وكان هو ينجو كل يوم بمعجزة صغيرة.

السياسة الهمجية لتل أبيب لم تترك حجرًا إلا وأسقطته، ولا رغيفًا إلا وحاصرته. ومع ذلك، كان آدم يسير، بثقة جنديّ ومهابة نبيّ. كل خطوة تقوده نحو أمه التي تنتظره في خيمةٍ مرقّعة بذكريات البيت القديم، وكل قضمة في الصحن انتصار صغير على آلة التجويع

والخذلان.

لم يكن ذلك الصحن طعامًا فقط. كان وثيقةَ بقاء، وبيان تحدٍ، ورسالةً للعالم تقول:"ما زلنا نعيش... رغم الجوع، رغم الحرب، رغم الموت".

أرصفة تبكي

في الزقاق المجاور، كانت الأرصفة تبكي تحت أقدام الأطفال الذين اعتادوا صوت الطائرات أكثر من صوت أغاني الطفولة. لا مدارس تُفتح، ولا أراجيح تتأرجح. كل شيء هنا ساكن كالقبر، إلّا القلوب… فهي تئن. الهواء ثقيلٌ برائحة البارود، والسكون مشبعٌ

بأصوات الغائبين، أولئك الذين ابتلعتهم الغارات وخلّفت أسماءهم مرسومة على الجدران. غزة لا تموت، لكنها تنزف كل يوم، في صمت يشبه الصراخ.

وفي قلب هذا الركام، كانت الحياة تحاول أن تتنفس. امرأة تُشعل نارًا بين حجرين لتطهو ما تبقّى من العدس، وطفل يكتب على الرمل درسًا لم يُدرّس، ورجل ينصب كوفية على حائطٍ مدمّر كأنه يرفع راية وطنٍ لا يُقهر. المجاعة ليست فقط في الخبز، بل في الأمان،

في الكرامة، في حقّ أن تحلم بلا قيد. وتل أبيب، بكل ما تملك من آلات الهدم، لم تستطع أن تكسر نبض الحياة في قلوب الغزيين… فقط زادتهم صلابة، كأنهم شظايا ضوء في عتمة لا تنتهي.

أخبار ذات الصلة