الجلوس على الخراب... وحكاية لا تجد نهاية

- القطاع مزيج من الألم والجوع والحرمان
- الأحزان تتعاظم على وقع عدوان مستمر
فوق ركام بيتهما المدمر في القطاع المكلوم، جلست امرأة إلى جوار زوجها بصمت ثقيل يشبه الحداد، لم ينطقا بكلمة، فكل ما يمكن أن يُقال صار رمادًا مثل ما حولهما. بين أيديهم صورة ممزقة لابنهم الذي رحل، وبقايا أطباق
مكسورة كانت ذات يوم تجمع العائلة على مائدة واحدة.
اقرأ أيضاً : رحيل بلا وداع.. وبقاء محاصر بالذكريات
المكان يشهد وحده على ما كان، وعلى ما لم يعد. صمتهم لم يكن ضعفًا، بل لغة العاجزين عن قول أي شيء وسط هذا الجنون.
في هذا الركن من غزة، لا تُبنى الذكريات لتُحكى، بل لتُدفن مع أصحابها أو تُحمل فوق أكتاف الأحياء. لا يزال العدوان يواصل نزيفه في كل زاوية، وكأن الألم لا يكفي. الأزقة تعجّ بالأنين، والسماء لا تعد بشيء سوى مزيد من
القصف، الزوجان لم يغادرا الركام؛ كأنهما يرفضان ترك ما تبقى من تفاصيل عمرٍ مضى، ولو على هيئة غبار.
الأسئلة تتزاحم في رأسيهما بصمت: ماذا بعد؟ وأين ينتهي هذا الكابوس؟ مصيرهما، كمصير كثيرين في القطاع، غامض كالدخان. الحاضر موجع، والمستقبل غائب، والزمن هنا لا يقاس بالساعات بل بالفقد. في كل لحظة، يخسر
الناس شيئًا: بيتًا، ابنًا، ذاكرة، وربما القدرة على الحلم.
حنين ورائحة خبز مفقود
كل شيء من حولهما تغير، إلا الحنين. رائحة الخبز المفقود، صوت الأطفال الذين كانوا، وقع خطوات كانت تُملأ المكان حياة… كلّها ترتد كأشباح في ذاكرتهما. لم يعد الركام مجرد حطام؛ بل صار شاهدًا على قصة طويلة من
الفقد والبقاء، قصة لا تُروى بالكلمات بل بالدموع التي لا تُذرف حتى لا تضعف الجبهة الداخلية للقلب.
وفي المساء، حين يخفت صوت الطائرات قليلًا، يتكئ الزوج على الحجارة، وتنظر زوجته إلى السماء التي لم تعد زرقاء.. لا شيء واضح، سوى أنهما ما زالا معًا، يشتركان في هذا الحزن الثقيل، ويأملان – دون يقين – أن
يحمل الغد خبرًا أقل وجعًا من اليوم.