الحياة تعود إلى ما تبقى من المدينة المناضلة

- فرحة مغموسة بالحسرة لنازحين عادوا إلى شمال القطاع بعد وقف إطلاق النار
- خطوات العائدين تروي حكاية الصبر الفلسطيني والمقاومة الشامخة
في مشهد تختلط فيه الدموع بالابتسامة، عاد آلاف النازحين إلى غزة بعد إعلان وقف إطلاق النار، عائدين إلى مدنهم وقراهم التي غابت ملامحها تحت الركام. كانت العودة أقرب إلى رحلة بين الذاكرة والرماد، فكل حجر في الطريق يحمل قصة، وكل زاوية تهمس بأسماء أحبّة رحلوا.
اقرأ أيضاً : ضحكات الأطفال تُعيد الروح لوطن شامخ بعد عامين من الألم
حمل الناس ما تبقّى من متاعهم على أكتافٍ أنهكها التعب، لكن قلوبهم بقيت مشتعلة بالأمل، كأنها تصرّ على القول إن غزة لا تموت، وإن الحياة قادرة على النهوض حتى من تحت الركام.
في الطريق الطويل نحو البيوت المهدّمة، كانت خطوات العائدين تروي حكاية الصبر الفلسطيني، حكاية من ساروا حفاة على أرض أحرقتها النيران لكنها ما زالت مقدسة في قلوبهم. ساروا بين الأنقاض كمن يبحث عن نفسه بين الغياب، يلتفتون إلى ما تبقّى من جدرانٍ تحمل آثار الحرب، ويهمسون: “ها
قد عدنا.” لم تكن العودة مجرد حركة أجساد، بل عودة أرواحٍ ظلّت معلّقة بحلم النجاة، وحلم الوطن.
فرح مغمس بالحسرة
في وجوه العائدين، فرحٌ مغمّس بالحسرة. ضحك الأطفال للمرة الأولى منذ شهور، لكن ضحكتهم كانت مبلّلة
بالدمع، إذ لا بيت يحتضنهم كما كان، ولا شارع بقي على حاله. ومع ذلك، حملوا ألعابهم المكسّرة وكأنها كنوز،يركضون بين الركام كما لو أن الحياة بدأت من جديد. أما الكبار، فكانوا يسيرون بصمتٍ عميق، تتحدث أعينهم بلغةٍ واحدة: “لن نرحل بعد الآن.”
النساء عدن يحملن صور أبنائهن في أكفّهن، يلمسنها كما يلمسن الجدران المهدّمة، كأنهن يعيدن بناء البيوت من الذاكرة. وبعضهن جلسن على أبواب الخراب، ينثرن الدعاء والدموع في الهواء، يشكرن الله على البقاء، ويودّعن من لم يعد. كانت العودة بالنسبة لهن مزيجاً من النصر والفقد، من الحياة التي
لم تكتمل، ومن الحلم الذي ما زال يتنفس رغم الألم.
ورغم كل ما تهدّم، ظل في غزة ما لا يُقهر: الإصرار. وقف أهلها على الركام وأعلنوا بعزمٍ صامت أن هذه الأرض لهم، وأنها ستزهر من جديد. فبعد عامين من الألم والتجويع والإبادة، عادوا بأقدامٍ متشبثة بالتراب، يسيرون بخطواتٍ واثقة فوق ما تبقّى من مدينتهم، لا يهابون المسافات، لأنهم يعرفون
أن كل خطوة فوق هذا الركام هي وعد بالحياة، ووعد بأن غزة ستنهض، مهما انكسر فيها من حجارة أو قلوب.