في غزة… لا تنكسر الطفولة بل تُعيد تعريف الصمود

- القطاع رسالة أمل رغم الألم
- التحدي والإصرار روح لاستمرار الحياة في القطاع
في غزة، حيث تختلط رائحة الغبار بصوت الأذان، تتشبث الحياة بما تبقى من أنفاسها. هناك، لا يحتاج الأطفال إلى كثير من الكلمات ليعبّروا عن طفولتهم المسروقة؛ يكفي أن تراهم يركضون بين الأنقاض، يضحكون رغم الألم، كأنهم يعلنون تحديهم للعالم بأسره.
في حي الزيتون، حيث تهدمت بيوت وبقيت الأرواح، يقف مسجد الإمام الشافعي كشاهدٍ على ما لا يُقال، جدرانه المثقوبة بالرصاص تحرس أحلام الصغار الذين وجدوا فيه ملجأً من الخوف والمطر والنسيان.
اقرأ أيضاً : هنا أرض العزة.. وجع الجوع وكرامة لا تموت
تجلس أمٌ شابة في زاوية المسجد، تحتضن طفلها الذي لم يتجاوز الرابعة، تغطيه ببطانية مهترئة، وتهمس له بحكايات عن بيتهم القديم، عن نافذة كانت تطل على البحر، وعن شجرة ليمون كانت تُزهر كل ربيع. تغمض عينيها قليلاً، تحاول أن تتذكر رائحة القهوة في
صباحٍ آمن، وصوت زوجها وهو يعدها بأن القادم أجمل... لكن القادم تأخر كثيراً.
لعب وسط ركام الحرب
في الخارج، الأطفال لا يعرفون معنى الانتظار. يلعبون، يصنعون كراتٍ من القماش الممزق، ويرسمون على الرمال بقطع الفحم، يكتبون أسماء إخوتهم الغائبين، ثم يمسحونها ويضحكون. في لحظاتهم الصغيرة تلك، تنبت الحياة من بين الركام كزهرةٍ عنيدة، تُذكّر
الجميع أن الفرح في غزة لا يُهزم، حتى وإن خسر كل شيء.
تتسلل أشعة الشمس من بين فتحات السقف المتصدع، تُضيء وجوه النساء اللواتي يخبزن على نارٍ صغيرة داخل فناء المسجد. رائحة الخبز تمتزج برائحة الغبار، وتخلق مشهداً غريباً من الدفء وسط البرد والخوف. هناك، في هذا المكان الذي تحوّل من بيتٍ لله إلى
بيتٍ للناجين، تتجلى أعظم صور الإنسانية: المشاركة، الصبر، والحب الذي لا يموت حتى تحت الركام.
في غزة، بعد الحرب، لا ينتهي الحب. بل يبدأ من جديد، أكثر نقاءً، أكثر إصراراً. في كل ضحكة طفل، في كل دمعة أم، في كل يدٍ تمتد لتواسي، يكتب الفلسطينيون فصلاً جديداً من الحكاية — حكاية الحياة التي لا تعرف الاستسلام، والحب الذي يعيش حتى بعد أن
يسكت كل شيء.
