كواليس صدام فينيسيوس وألونسو الذي هزّ ريال مدريد من الداخل

- حادثة الكلاسيكو لم تكن مجرد لحظة غضب عابرة، بل كشفت عن خطوط التماس بين جيل من اللاعبين تربى على الحرية والنجومية
في الوقت الذي احتفل فيه جمهور ريال مدريد بانتصار فريقه الثمين على برشلونة بنتيجة 2-1 في الكلاسيكو الأخير، كانت الأجواء داخل غرفة ملابس النادي الملكي أقل دفئاً بكثير. فبين ضجيج الفرح بالانتصار، كان هناك توتر خافت بين المدرب الإسباني تشابي ألونسو ونجمه البرازيلي فينيسيوس جونيور، توترٌ سرعان ما تحوّل إلى أزمة حقيقية قبل أن تُطفأ جذوتها مؤقتاً بـ"هدنة" غير معلنة.
بداية الأزمة: تبديل أشعل النيران
المشهد بدأ في الدقيقة الواحدة والسبعين من المباراة، حين قرر ألونسو استبدال فينيسيوس رغم أنه كان أحد أنشط لاعبي الفريق على أرض الملعب. القرار فاجأ اللاعب الذي لم يُخفِ انزعاجه، إذ التقطت الكاميرات رد فعله الغاضب وهو يتمتم بعبارات مثل "لماذا أنا؟ دائماً أنا؟"، قبل أن يتوجه مباشرة إلى غرفة الملابس دون مصافحة مدربه أو زملائه.
ورغم أن ريال مدريد حسم اللقاء لصالحه بهدفين مقابل هدف، إلا أن تصرف اللاعب لم يمر مرور الكرام داخل النادي. فقد اعتبره بعض أعضاء الجهاز الفني "خروجاً عن الانضباط"، بينما فضّل ألونسو الصمت في لحظته، مفضلاً تأجيل المواجهة إلى ما بعد المباراة.
بيان اعتذار... ولكن بدون اسم المدرب
بعد مرور ثلاثة أيام على الكلاسيكو، خرج فينيسيوس ببيان اعتذار عبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، قال فيه:
"أريد أن أعتذر لجميع مشجعي ريال مدريد عن رد فعلي عندما تم استبدالي في الكلاسيكو. كما فعلت شخصياً في التدريبات، أود أن أعتذر لزملائي في الفريق، للنادي، وللرئيس. أحياناً تغلبني العاطفة لأنني أريد الفوز دائماً ومساعدة فريقي. أعدكم بأن أواصل القتال في كل ثانية من أجل ريال مدريد."اللافت في البيان أنه لم يتضمن اسم تشابي ألونسو، ما فُسّر على نطاق واسع بأنه تجاهل مقصود، يعكس أن العلاقة بين الطرفين لا تزال متوترة رغم الاعتذار العلني.
اقرأ أيضاً: الأهلي المصري يحسم الجدل حول اهتمامه بمحمد صلاح نجم ليفربول
رد ألونسو: "الشكوى لا تكون أمام الجميع"
وفقاً لما كشفه برنامج "إل شيرينغيتو" الإسباني الشهير، فإن رد فعل ألونسو داخل غرفة الملابس كان بارداً جداً. المدرب اجتمع باللاعبين وقال أمام الجميع:
"إذا أراد أحد أن يشتكي من شيء ما، فليفعل ذلك على انفراد، وليس أمام الجميع."كانت تلك رسالة واضحة إلى فينيسيوس، تؤكد أن المدرب لم يتقبل تصرف اللاعب وأنه لن يسمح بتكراره. ومع ذلك، لم يتخذ النادي أي عقوبة رسمية بحقه، ربما في محاولة لاحتواء الأزمة وعدم تصعيدها إعلامياً.
تراجع مؤقت وهدنة داخلية
بعد صدور بيان الاعتذار، عاد الهدوء تدريجياً إلى تدريبات الفريق. وأفادت تقارير صحفية إسبانية بأن فينيسيوس تحدث على انفراد مع ألونسو في جلسة خاصة داخل منشآت "فالديبيباس"، حيث تم تجاوز الخلاف مؤقتاً. المدرب قبل الاعتذار، وأكد أنه يقدّر حماس اللاعب، لكنه شدد على أن "الالتزام الجماعي فوق الأسماء الفردية".
هذه الهدنة المؤقتة سمحت بعودة التركيز إلى العمل الميداني، إذ ظهر اللاعب في التدريبات التالية بابتسامة خفيفة، فيما بدا أن ألونسو اختار طي الصفحة مؤقتاً للحفاظ على استقرار الفريق قبل المواجهات المقبلة في الدوري ودوري أبطال أوروبا.
خلفيات الأزمة: سياسة صارمة ونجوم غاضبون
ما جرى بين الطرفين ليس حادثة معزولة، بل يأتي ضمن سياق أكبر داخل ريال مدريد. فمنذ تولي تشابي ألونسو مهمة تدريب الفريق خلفاً لكارلو أنشيلوتي الصيف الماضي، تغيّر الكثير في أسلوب العمل داخل النادي. ألونسو يعتمد على الانضباط التكتيكي الصارم، التدريب المكثف، وسياسة التدوير بين اللاعبين. هذه المنهجية أثمرت نتائج جيدة، إذ يتصدر الفريق جدول الدوري الإسباني، ويقدم أداءً متماسكاً في دوري الأبطال. لكن بعض اللاعبين، ومن بينهم فينيسيوس، لم يتأقلموا تماماً مع هذا النظام الجديد.
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "ذا أثلتيك"، فإن بعض نجوم الفريق يشعرون بأن ألونسو "يصعب الوصول إليه" مقارنةً بأسلوب أنشيلوتي الهادئ والأبوي. المدرب الإسباني أكثر تحفظاً في التعامل، وأقل مرونة في الاستماع إلى اعتراضات اللاعبين، ما جعل العلاقة معه "عملية احترافية بحتة" لا تتسم بالدفء الإنساني الذي ميز حقبة سلفه.
النادي يقف خلف المدرب
في خضم هذه الأزمة، أكدت مصادر قريبة من النادي لصحيفة "آس" الإسبانية أن إدارة ريال مدريد تدعم ألونسو بشكل كامل، وترى فيه مشروعاً طويل الأمد لقيادة الفريق. وأوضح المصدر أن "النادي لن يسمح لأي لاعب، مهما كان اسمه أو قيمته السوقية، بأن يتجاوز صلاحيات المدرب".
هذه الرسالة وصلت إلى اللاعبين بوضوح، ما ساهم في تهدئة الموقف وإعادة الأمور إلى نصابها. فإدارة ريال مدريد تدرك أن الانضباط داخل غرفة الملابس شرط أساسي للحفاظ على التوازن في موسم طويل مليء بالتحديات.
مستقبل العلاقة بين الطرفين
رغم التهدئة الحالية، إلا أن السؤال الكبير يبقى: هل يمكن أن تتحول هذه "الهدنة المؤقتة" إلى سلام دائم؟ المؤشرات الأولى إيجابية، ففينيسيوس شارك في المباراة التالية دون مشاكل، واحتفل بأحد الأهداف بطريقة اعتُبرت "تصالحية" مع المدرب. لكن المتابعين يدركون أن العلاقة بين نجم بحجم فينيسيوس ومدرب حازم مثل ألونسو ستحتاج إلى الوقت والذكاء الإداري للحفاظ على استقرارها.
الخلاصة
حادثة الكلاسيكو لم تكن مجرد لحظة غضب عابرة، بل كشفت عن خطوط التماس بين جيل من اللاعبين تربى على الحرية والنجومية، ومدرب شاب يسعى لفرض الانضباط وإعادة تعريف ثقافة ريال مدريد. وبينما يبدو أن الأزمة انتهت مرحلياً، فإن المستقبل وحده سيُظهر ما إذا كانت هذه "الهدنة" بداية استقرار حقيقي، أم مجرد توقف قصير قبل عاصفة جديدة داخل جدران النادي الملكي.
