هنا غزة.. حين يصبح الحلم مجرد مساحة آمنة للجلوس
- أحلام الغزيين لا تتعدى مساحة صغرة آمنة وكسرة خبز
- قلوب الغزيين معلقة بالسماء بين الإيمان والدعاء
في مشهد تختلط فيه الطفولة بالقسوة، ظهرت طفلة تجلس فوق هيكل حديدي داخل مخيم مؤقت في قلب غزة. مشهد يبدو بسيطًا للوهلة الأولى، لكنه يحمل خلفه حكاية طويلة من الانتظار، والبحث عن الأمان، ومحاولة التمسك بما تبقى من ملامح حياة طبيعية، وسط
حرب أنهكت الجميع. كانت الفتاة تحدّق في الفراغ، في لحظة لا تشبه عمرها، وكأنها تجاوزت سنواتها الصغيرة بأعوام من الألم.
اقرأ أيضاً : أغصان ورماد.. براءة تصارع ويلات الحرب
هذا المخيم الذي لجأ إليه آلاف العائلات أصبح اليوم بديلًا مؤقتًا عن البيوت التي لم تعد قائمة، خيام مهترئة، طرقات مليئة بالغبار، وصوت الريح الذي يمر بين الحديد كما لو كان يحاول إعادة ترتيب ذاكرة المكان.
الأطفال هناك لا يلعبون كما ينبغي، بل يراقبون الكبار وهم يحصون الخسارات، وينتظرون أي خبر يحمل بداية مختلفة، ومع كل وقفٍ لإطلاق النار، تعود الأسئلة نفسها: هل ستعود الحياة كما كانت؟ وهل يكبر الأطفال بعيدًا عن الخوف؟
الطفلة الجالسة على الهيكل المعدني ليست وحدها، خلف الصورة عائلات تبحث عن طمأنينة مؤقتة، وآباء يخبئون حزنهم كي لا يراه الصغار، وأمهات يحتضنّ أطفالهن بقوة وكأن هذا الحضن وحده ما يمنح القلب القدرة على النبض من جديد. لا أحد في المخيم
يعرف ماذا يخبئ الغد، لكن الجميع يتمسّك بكلمة واحدة: “الصبر”.
ذاكرة مثقلة بصور حزينة
ورغم هدنة الأيام الأخيرة، فإن آثار عامين من الحرب لا يمكن محوها بسهولة، الشوارع تغيّرت، البيوت اندثرت، والذاكرة أصبحت مثقلة بصور لم يكن يجب أن يراها الأطفال. مع ذلك، لا يزال هناك شيء لا ينطفئ: الأمل. فحتى في ظل الدمار، يتشارك أهل غزة
لقمة الطعام، ويصنعون للطفولة مساحة صغيرة كي لا تختفي تمامًا.
الصورة التي التقطها المصور عمر القطة ليست مجرد توثيق للحظة، بل شهادة على قوة الإنسان حين يقف على حافة الوجع ولا يسقط. شهادة على أن الأطفال، رغم كل شيء، قادرون على رفع رؤوسهم نحو السماء، وكأنهم ينتظرون غدًا مختلفًا… أكثر رحمة،
وأكثر حياة.
